فصل: تفسير الآيات (21- 22):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولنفرض أن هذه الطبقة هي المسماة بالسماء الدنيا وأن هذه التموجات هي تموجات الأثير فإنها تحفظ الأصوات مثلًا.
ثم هذه التموجات التي تخلُص إلى عقول أهل هذه النفوس المستعدة لها تخلص إليها مقطّعة مُجملة فيستعين أصحاب تلك النّفوس على تأليفها وتأويلها بما في طباعهم من ذكاء وزكانة، ويخبرون بحاصل ما استخلصوه من بين ما تلقفوه وما ألّفوه وما أولوه.
وهم في مصادفة بعض الصدق متفاوتون على مقدار تفاوتهم في حدة الذكاء وصفاء الفهم والمقارنة بين الأشياء، وعلى مقدار دُربتهم ورسوخهم في معالجة مهنتهم وتقادم عهدهم فيها.
فهؤلاء هم الكهان، وكانوا كثيرين بين قبائل العرب.
وتختلف سمعتهم بين أقوامهم بمقدار مصادفتهم لما في عقول أقوامهم.
ولا شك أن لسذاجة عقول القوم أثرًا ما، وكان أقوامهم يعُدون المعمّرين منهم أقرب إلى الإصابة فيما ينبئون به، وهم بفرط فطنتهم واستغفالهم البله من مريديهم لا يصدرون إلاّ كلامًا مجملًا موجهًا قابلًا للتأويل بعدة احتمالات، بحيث لا يؤخذون بالتكذيب الصريح، فيكلون تأويل كلماتهم إلى ما يحدث للنّاس في مثل الأغراض الصادرة فيها تلك الكلماتُ، وكلامهم خلو من الإرشاد والحقائق الصالحة.
وهم بحيلتهم واطلاعهم على ميادين النفوس ومؤثراتها التزموا أن يصوغوا كلامهم الذي يخبرون به في صيغة خاصة ملتزمًا فيها فقرات قصيرة مختتمة بأسجاع، لأن الناس يحسبون مزاوجة الفقرة لأختها دليلًا على مصادفتها الحق والواقع، وأنها أمارة صدق.
وكانوا في الغالب يلوذون بالعزلة، ويكثرون النظر في النجوم ليلًا لتتفرغ أذهانهم.
فهذا حال الكهان وهو قائم على أسس الدجل والحيلة والشعوذة مع الاستعانة باستعداد خاص في النفس وقوة تخترق الحواجز المألوفة.
وهذا يفسره ما في كتاب الأدب من صحيح البخاري عن عائشة: أن ناسًا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال: «ليسوا بشيء» أي لا وجود لما يزعمونه.
فقيل: يا رسول الله فإنهم يحدثون أحيانًا بالشيء يكون حَقًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تلك الكلمة من الحق يخطفها الجنيّ فَيقرُّها في أذن وليّه قَرّ الدجاجة فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة».
وما في تفسير سورة الحجر من صحيح البخاري من حديث سفيان عن أبي هُريرة قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قضى الله الأمر في السماء {أي أمر أو أوحى} وضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا» لقوله: «فإنهم المأمورون كل في وظيفته» كالسلسلة على صَفوانٍ ينفُذُهم ذلك أي يحصل العلم لهم وتقريبها حركات آلة تلقي الرسائل البرقية تلغراف.. فيسمعها مسترقو السمع، ومسترقو السمع هكذا واحد فوق آخر أي هي طبقات مفاوتة في العلو.
ووصف سفيان بيده فحرّفها وفَرّج بين أصابع يده اليمنى نَصَبها بعضَها فوق بعض فيسمع المسترق الكلمة فيلقيها إلى من تحته ثم يلقيها الآخَر إلى من تحته حتّى يلقيها على لسان الكاهن أو الساحر، فربّما أدرك الشّهاب المستمع قبل أن يلقيها، وربّما ألقاها قبل أن يدركها فيكذب معها مائة كَذبة. فيقولون: ألم يخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا فوجدناه حقًا للكلمة التي سُمعت من السماء.
أما أخبار الكهان وقصصهم فأكثرها موضوعات وتكاذيب، وأصحها حديث سواد بن قارب في قصة إسلام عُمر رضي الله عنه من {صحيح البخاري}، وهذه الظواهر كلها لا تقتضي إلا إدراك المسموعات من كلام الملائكة. ولا محالة أنها مقرّبة بالمسموعات، لأنها دلالة على عزائم النّفوس الملكية وتوجهاتها نحو مسخراتها. وعبر عنه بالسمع لأنه يؤول إلى الخبر، فالذي يحصل لمسترق السمع شعور ما تتوجه الملائكة لتسخيره، والذي يحصل للكاهن كذلك. والمآل أن الكاهن يخبر به فيؤول إلى مسموع.
{وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19)}
انتقال من الاستدلال بالآيات السماوية إلى الاستدلال بالآيات الأرضية لمناسبة المضادة، وتقدم الكلام على معنى {مددناها} وعلى {الرواسي} في سورة الرعد، والموزون: مستعار للمقدّر المضبوط.
و{معايش}: جمع معيشة.
وبعد الألف ياء تحتية لا همزة كما تقدم في صدر سورة الأعراف.
{ومن لستم له برازقين} عطف على الضمير المجرور في {لكم}، إذ لا يلزم للعطف على الضمير المجرور المنفصل الفصْلُ بضمير منفصل على التحقيق، أي جعلنا لكم أيها المخاطبين في الأرض معايش، وجعلنا في الأرض معايش لمن لستم له برازقين، أي لمن لستم له بمطعمين، وما صدق {مَنْ} الذي يأكل طعامه مما في الأرض، وهي الموجودات التي تقتات من نبات الأرض ولا يعقلها النّاس.
والإتيان بـ {مَن} التي الغالب استعمالها للعاقل للتغليب، ومعنى {لستم له برازقين} نفي أن يكونوا رازقيه لأن الرزق الإطعام، ومصدر رَزَقه الرّزق بفتح الراء، وأما الرِّزق بكسر الراء فهو الاسم وهو القوت. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال مجد الدين الفيروزابادي:
بصيرة في الزين:
الزِّينة: ما يُتزيَّن به، وكذلك الزِّيان، والزَّين: ضدّ الشَيْن، والجمع أَزيان، وزانة وأَزانَه وأَزْيَنه بمعنى، فتزَّين هو وازدان وازَّيَّنَ وازْيَانَّ وازْيَنَّ، وقمرٌ زَيَانٌ: حَسَنٌ، وامرأَةٌ زائن: متزيّنة.
والزِّينة في الحقيقة: ما لا يَشين الإِنسانَ في شيء من أَحواله، لا في الدُّنيا ولا في الآخرة. فأَمّا ما يزينه في حالة دون حالة فهو من وجهٍ شَيْن، والزِّينة بالقول المجمل ثلاث: زينة نفسيّة؛ كالعلم والاعتقادات الحسنة، وزينة بدنيَّة، كالقوّة وطول القامة وتناسب الأَعضاءِ، وزينة خارجيّة؛ كالمال والجاه.
وقوله تعالى: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} هو من الزينة النفسيّة، وقوله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} حُمِل على الزِّينة الخارجيَّة، وذلك أَنَّه قد رُوى أَنَّ أَقوامًا كانوا يطوفون بالبيت عُراةً، فنُهوا عن ذلك بهذا الآية.
وقيل: بل زينة الله في هذه الآية هي الكَرَم المذكور في قوله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.
وقوله: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} هي الزينة الدّنيوية: من الأَثاث والمال والجاه، وقد نسب الله تعالى تزيين الأَشياءِ إِلى نفسه في مواضع، وإِلى الشيطان في مواضع، وفى أَماكن ذكره عن مُسَمَّى فاعلُه.
قال تعالى في الإِيمان: {وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ}، وفى الكفر: {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ}، وممّا نسبه إِلى الشيطان: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ}. ممّا لم يسمَّ فاعله: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ}، {وَكَذلك زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ} أَى زَيّنَهُ شركاؤهم.
وقوله: {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ}، {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ}، {وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} إِشارة إِلى الزِّينة المدرَكة بالبصر للخاصّة والعامّة، وإِلى الزينة المعقولة التي تعرفها الخاصّة، وذلك إِحكامها وسيرها، وتزيين الله تعالى للأَشياءِ قد يكون بإِداعها مزيَّنة كذلك.
قال الشاعر:
الرّوض يزدان بالأَنوار فاغِمة ** والحُرّ بالبرّ والإِحسان يزدانُ

وقال آخر:
وإِذا الدُرّ زان حُسْنَ وجوهٍ ** كان للدُرّ حسنُ وجهك زينا

وقال:
لكلّ شيى حسن زينة ** وزينة العاقل حسن الأَدب

قد يشرِّف المرءُ بآدابه ** يومًا وإِن كان وضيع النَّسب

وقد وردت الزِّينة في القرآن على عشرين وجها:
الأَول: زينة الدّنيا: {وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ}.
الثَّانى: زينة بالملابس: {تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} أَى ثيابها.
الثالث: زينة ستر العورة: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}.
الرّابع: زينة قارُون بماله ورجاله: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ}.
الخامس: زينة النّساء بالْحُلِىّ: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}، {مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ}.
السادس: زينة العجائز بالثياب الفاخرة: {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتِ بِزِينَةٍ}.
السابع: زينة العيد: {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ}.
الثامن: زينة عاريّة القِبْط: {حُمِّلْنَآ أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ}.
التاسع: زينة آل فرعون: {آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً}.
العاشر: زينة أَهل الدّنيا فيها: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.
الحادي عشر: زينة المسافرين بالمراكب: {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً}.
الثاني عشر: زينة حبّ الشَّهوات: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ}، أَى حُسِّنَ في أَعينهم وقلوبهم.
الثاني عشر أيضا: زينة العصيان في أَعين ذو الخذلان: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا}.
الثالث عشر: زينة قتل الوِلدان: {وَكَذلك زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ}.
الرابع عشر: زينة الحياة لذوي الطغيان: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}.
الخامس عشر: زينة أَحوال الماضين والباقين في عيون الكفَّار استدراجًا لهم: {فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ}.
السادس عشر: زينة الشَّيطان الضلال لمتَّبعيه: {لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ}.
{فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ}.
السابع عشر: زينة الله لأَعدائه خذلانهم: {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ}.
الثامن عشر: زينة السّماء لأُولى الأَبصار: {وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ}.
التاسع عشر: زينة الأَرض بالنَّبات والرياحين: {أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ} أَى تلوّنت بالأَلوان.
العشرون: زينة الفَلَك بالكواكب: {زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ}.
الحادي والعشرون: زينة الأَفلاك السّبع بالسّيّارات السّبع: {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ}.
الثاني والعشرون: زينة الإِيمان في قلوب العارفين: {وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ}.
أُنشِدنا لبعض المحدَثين:
سبحان مَنْ زيّن الأَفلاك بالقمر ** وزيّن الأَرض بالأَنهار والشَجَر

لا كالسّراج والا كالشَّمس زاهرة ** لا كالجواهر والياقوت والدُررِ

وجَنَّة الخلد بالأَنوار زيَّنها ** والقصرُ زيَّنه بالحُور والسُرُور

وزيَّن النفس بالأَعضاءِ مستويا ** والرأْس زيَّنه بالسمع والبصر

وزيَّن القلبَ بالأَنوار نوّره ** لا كالنجوم ولا كالشمس والقمر

اهـ.

.تفسير الآيات (21- 22):

قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
فلما ظهر كالشمس كمال قدرته وأنه واحد لا شريك له، بين أنه- كما كانت هذه الأشياء عنده بحساب قدره على حكمة دبّرها- كان غيرها كذلك، فذلك هو المانع من معاجلتهم بما يهزؤون به من العذاب، فقال: {وإن} أي وما {من شيء} أي مما ذكر وغيره من الأشياء الممكنة، وهي لا نهاية لها {إلا عندنا} أي لما لنا من القدرة الغالبة {خزائنه} أي كما هو مقرر عندكم، لا تنازعون فيه، قال في الكشاف: ذكر الخزائن تمثيل {وما ننزله} أي مطلق ذلك الشيء لا بقيد عدم التناهي، فإن كل ما يبرز إلى الوجود متناه، فهو استخدام {إلا بقدر معلوم} على حسب التدريج كما ترونه؛ وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: ليس عام بأمطر من عام، ولكن الله يقسمه ويقدره في الأرض كيف يشاء، عامًا هاهنا وعامًا ههنا، وربما كان في البحر.
فهذا دليل قطعي على أن الفاعل المخصص له بوقت دون وقت وأرض دون أخرى فاعل واحد مختار.
فلما تم ما أراد من آيتي السماء والأرض، وختمه بشمول قدرته لكل شيء، أتبعه ما ينشأ عنهما مما هو بينهما مودعًا في خزائن قدرته فقال: {وأرسلنا} أي بما لنا من التصريف الباهر {الرياح} جمع ريح، وهي جسم لطف منبث في الجو سريع المر {لواقح} أي حوامل تحمل الندى ثم تمجه في السحاب التي تنشئها، فهي حوامل للماء، لواحق بالجو، قوته على ذلك عالية حسًا ومعنى؛ والريح: هواء متحرك، وحركته بعد أن كان ساكنًا لابد لها من سبب، وليس هو نفس كونه هواء ولا شيئًا من لوازم ذاته، وإلا دامت حركته.
فليست إلا بتحريك الفاعل الواحد المختار {فأنزلنا} أي بعظمتنا بسبب تلك السحائب التي حملتها الرياح {من السماء} أي الحقيقية أو جهتها أو السحاب، لأن الأسباب المتراقية بسند الشيء تارة إلى القريب منها وتارة إلى البعيد وأخرى إلى الأبعد {ماء} وهو جسم مائع سيال، به حياة كل حيوان من شأنه الاغتذاء {فأسقيناكموه} جعلناه لكم سقيًا، يقال: سقيته ماء أي ليشربه، وأسقيته أي مكنته منه ليسقي به ماشيته ومن يريد.
ونفى سبحانه عن غيره ما أثبته أولًا لنفسه فقال: {وما أنتم له} أي ذلك الماء {بخازنين} والخزن: وضع الشيء في مكان مهيأ للحفظ، فثبت أن القادر عليه واحد مختار.
ومادة لقح بتقاليبها الست تدور على اللحاق، وتلزمه القوة والعلو حسًا أو معنى، فاللقاح اسم ماء الفحل- لأنه يلحق الأنثى فتحمله، وقد ألقح الفحل الناقة، ولقحت لقاحًا: حملت، والملقوح: ما لقحته من الفحل، أي أخذته، وهي الملاقيح- يعني الأجنة، واللقحة: الناقة الحلوب- لأنها أهل لأن يلحقها جائع، وألقح القوم النخل ولقحوها- إذا ألحقوها بالفحالة فعلقوها عليها.
والقاحل: اليابس من الجلود، لأن أجزاءه تلاحق بعضها ببعض فضمرت، ومنه شيخ قاحل.
واللحق: كل شيء لحق شيئًا أي أدركه، والملحق: الدعي- لأنه متهيىء لأنه يستلحقه كل من يريده، والملحاق: الناقة التي لا يفوتها الإبل: قال الزبيدي في مختصر العين: وفي القنوت: إن عذابك بالكغار ملحق- بالكسر، أي لاحق- لغة.
والحقل: القراح الطيب- لتهيئها لمن يلحق بها، وقيل: هو الزرع إذا تشعب ورقة، وهو من ذلك أيضًا ومن لحوقه بالحصاد فيصير كالمحلوق، والحقيل: نبت، والحقيلة: الماء الرطب، أي الأخضر من البقل والشجر في الأمعاء منه، والحقيلة: حشافة التمر- للحاق كل من أرداه به، والحوقلة: الغرمول اللين- كأنه مشبه بالنبت الأخضر، أو لإمكان تثنيه كل وقت ولحوق بعض أجزائه ببعض، والحوقل: الشيخ الضعيف النكاح- كأنه منه، والحوقلة: سرعة المشي، وحقل الفرس- إذا وجع من أكل التراب- كأنه مأخوذ من الحقل، وحوقل الشيخ: اعتمد بيديه على خصره إذا تمشى- كأنه للحاق يديه خصره.
والحلق مساغ الطعام والشراب، وحلوق الأرض: أوديتها ومجاريها- للحاق المياه بها، ولشبيهها بالحلوق، والحلق: حلق الشعر بالموسى، من اللحاق والقوة، والمحالق: الأكسية الخشنة التي تحلق الشعر من خشونتها، والحالق: المشؤوم الذي يحلق قومه؛ والحلق: ضرب من النبات، لورقه حموضة- كأنه لسرعة لحاق الماشية به لأنه كالفاكهة لها، والحلقة: الخاتم بلا فص- لتلاحق أجزائها بعضها ببعض، ومنه حلقة القوم، والحلقة: السلاح كله، إما من هذا لأن منها الدروع ذات الحلق، تسمية للشيء باسم جزئه، وإما من القوة والعلو المعنوي لما يلزم عنها، والحلق: المال الكثير، إما من ذلك وإما من لحاق صاحبه بمراده، والحالق: الجبل المنيف- لظهوره وعلوه ولحاقه بالجو، والحوقلة: القارورة الطويلة العنق، وحلق الطائر: ارتفع في الهواء، من هذا؛ واللقحة: الغراب؛ والحالق من الكرم والشرى: ما تعلق منه بالقضبان، فهو ظاهر في اللحاق، وحلق الضرع- إذا ارتفع إلى البطن وانضم، فهو من العلو واللحاق، وقيل: إذا كثر لبنه فهو إذًا من اللحاق، وتحلق القمر: صارت حوله دارة، وحلق قضيب الفرس حلقًا- إذا تقشر، كأنه شبه بما حلق شعره، وحي لقاح: لم يملكوا قط كأنه من القوة والعلو المعنوي؛ والقلح: صفرة تعلو الأسنان، فهو من اللحاق مع العلو، ويسمى الجعل أقلح من هذا. اهـ.